vendredi 2 juin 2017

مسألة الأجيال، وتعريب العلوم الاجتماعية في عرقلة مسيرة الإنتاج السوسيولوجي بالجزائر (قراءة تحليلية)

مقدمة: إن واقع علم الاجتماع بالمغرب العربي، وبالنظر إلى المكانة التي يحتلها بين العلوم الأخرى، ندرك ان علم الاجتماع يعاني العديد من الارهاصات التي ولربما هي وليدة لتبعية كولونيالية، لا زالت تلقي بضلال إديولوجيتها على الحقل السوسيولوجي في المغرب العربي، وخير دليل على هذا هو انقسام العديد من السوسيولوجيين على المدارس الغربية وتبنيهم لنظرات وتصورات وإيديولوجيات غربية، على أن يولوا الاهتمام لمحاولت بناء نظرة سوسيولوجية عربية مغاربية بحتة، والعمل على البعث بعلم الاجتماع في الوطن المغاربي-العربي إلى المصاف الذي هو عليه الحال علم الاجتماع في الدول الغربية. من هذه النقطة، نطرح التساؤل هو الأمر الذي جعل حال علم الاجتماع في المغرب العربي على هذه الشاكلة، شاكلة علم اجتماع بمنظور غربي لواقع مغاربي، ما الأمر الذي ثبط من تطور علم الاجتماع في الوطن المغاربي وحال دون إرساء علم إجتماع على نفس الحال الذي هو مقابلنا في الدول الغربية. هنا نطرح التساؤل عن ماهي المعوقات الإبستيمولوجية التي يواجهها علم الاجتماع في الوطن المغاربي، هل هي ذات بعد ثقافي، سياسي، إقتصادي، إجتماعي .... في هذه النقطة جاءت مداخلتنا كمحاولة متواضعة منا لتوضيح وفهم هذه النقطة، على شكل قراءة سوسيولوجية لبعض أهم المعوقات الإبستيمولوجية التي تواجه علم الاجتماع بالجزائر، والتي تعرقل من الوتيرة التطورية التي يجب أن يسير عليها علم الاجتماع في الجزائر. حيث سنتحدث في مداخلتنا عن معوقين بارزين، إن لم نقل إنهما من أكبر المعوقات التي نجدها وتظهر بوضوح في الحقل السوسيولوجي بالجزائر. من هنا، إرتأينا ان تبنى مداخلتنا على مبحثين سنعرض فيهما بحول الله ما تمكنا من قراءته. المبحث الأول: علم الاجتماع ومسألة الأجيال المبحث الثاني: تعريب العلوم الاجتماعية. المبحث الأول: علم الاجتماع ومسألة الأجيال. تمهيد: الحقل السوسيولوجي كغيره من الحقول والميادين، يعرف التداول عليه، إلا فإنه آيل للزوال، هذا يعبر عنه في تعاقب لأجيال من السوسيولوجيين، والذي يضمن استمرارية البحث في هذا المجال من العلوم، الا انه وفي بعض الجوانب، نجد أنه هناك صراع بين الأجيال، كل وتصوراته، وما ينادي به من أحقيته في هذا الميدان، كأن نجد الأوائل يتغنون بميزة السبق ويتفاضلون بها. في الكتاب القيم الذي قدمه الأستاذ الدكتور: جمال معتوق بعنوان "علم الاجتماع في الجزائر من النشأة الى يومنا هذا"، والذي تحدث فيه بشكل رائع عن قضية تقسيم أجيال علم الاجتماع بالجزائر، والهيمنة والحصار الذي فرضه الجيل الأول على الحقل السوسيولوجي والذي أرجع من بين أسبابها الحفاظ على المكاسب التي نالوها وعلى مصالحهم، و الدور الفعال الذي لعبه أفراد الجيل الموالي لهم أي الجيل الثاني من السوسيولوجيين في كسر هذا الحصار، حيث أن هذا الجيل الأول للسوسيولوجيين لا علاقة لهم بعلم الاجتماع أصلا، فهم مجموعة من الأساتذة كانوا في تخصصات أخرى كالفلسفة، علم النفس، الاقتصاد، السياسة، الجغرافيا ...وسبب توظيفهم في فرع علم الاجتماع هو غياب وندرة المتخصصين في تلك الفترة. الجيل الثاني، وهو الجيل الذي يشمل الذين قدموا إلى علم الاجتماع سواء عن طريق التدريس أو عن طريق الإنتاج السوسيولوجي، كما نجد ان بعض افراد هذا الجيل قد تخرج على يد الجيل الأول والبعض الاخر تلقى تكوينه في الخارج. اما الجيل الثالث وهم في الحقيقة الجيل الحديث، قد تلقوا تعليمهم على يد افراد الجيل الثاني والبعض القليل من الجيل الأول، ويحملون شهادات ليسانس-ماجيستر-دكتوراه دولة في علم الاجتماع، والذين تلقى أفرادها تكوينا في السوسيولوجيا على يد أساتذة جزائريين أو في الخارج: أمريكا، أوروبا. ما نلاحظه عن الجيل الأول ان تكوينه كان بعيد كل البعد عن الحقل السوسيولوجي، حيث كما أشار الكتاب أنه ونظرا لغياب الأخصائيين ما طرح مشكل في التأطير تم توظيف أساتذة من إختصاصات أخرى، وبالتالي فهم لا يمتلكون قاعدة تكوينية سوسيولوجية، بل كانت لدى بعضهم بعض الاهتمامات في مجال علم الاجتماع، وهذا ما قد يطرح لنا إشكالية التناول الخاطئ لعلم الاجتماع، بحيث أنه لا يمكن تدريس علم أو الولوج إلى البحث في ميدانه دون إدراك الأبجديات الأساسية لهذا العلم سواء أكانت التنظيرية أو المنهجية، و هذا من باب مراعاة الخصوصية في العلوم، لذلك نجد في وقتنا الراهن بعض الأساتذة يدرسون و يبحثون في إختصاصات، بعيدة عن إختصاص تكوينهم، وهذا من بين الأمور التي لم تساعد على النهضة بعلم الاجتماع كما يجب، و بالتالي فإن أمر مزاولة وتناول علم الاجتماع بمفهوم مغالط، أو بعيدا عن حسه الأصلي وإطاره المنهجي أمر شائع، وهذا ما لاحظناه شخصيا كأن تجد طلبة وحتى أساتذة باحثين في علم الاجتماع تلقى تكوينه في مرحلة الليسانس في إختصاص الشريعة، و من بعد بطريقة أو بهفوة ندرجها في خانة عدم إحترام خصوصية العلوم، أستطاع أن يلج لميدان العلوم الاجتماعية لإستكمال مرحلة الماستر أو الماجستير وحتى الدكتوراه، فتجده دائما وفي تعاطيه لمواضيع علم الاجتماع تلك النظرة الدينية، كأن يعطي أحكام قيمية بين ما يجوز وما لا يجوز، حلال و حرام .... وهذا منافي لأبجديات علم الاجتماع، والذي في أساسه على الباحث أن يتحلى بالموضوعية وبالحس السوسيولوجي، وأن يتعاطى مواضيع علم اجتماع بنظرة سوسيولوجية بحتة. هذا من جهة، ومن جهة أخرى نعود إلى نقطة ذكرها الأستاذ معتوق في كتابه ألا وهي: هيمنة الجيل الأول على ميدان علم الاجتماع، وذلك بالحصار الذي فرضه أفراد هذا الجيل على طلابهم من خلال عدم السماح لهم وعرقلتهم فيما يخص مناقشة أعمالهم سواء في إطار الدكتوراه أو في باقي الدراسات المعمقة، حيث شكل هذا الجيل حاجزا في مسيرة الأجيال التي تلته، حيث منع من بروزهم و بزوغ أعمالهم في المجال السوسيولوجي، مخافة أن تضيع مكانتهم التي يحتلونها في الميدان، إلا أن بعض من أفراد الجيل الثاني، وخاصة الذين تلقوا تكوينهم في الخارج، عمدوا على كسر الحصار ووضع حد لهيمنة الجيل الأول على المجال، خاصة وأنهم دخلوا إلى الجزائر بشهادات ليسانس وماجيستير و دكتوراه من الخارج أي انهم تلقوا تكوين بحت، فهم حاملين لقاعدة تكوينية سوسيولوجية حقيقية في علم الاجتماع، على عكس أفراد الجيل الأول، هذا الكسر للحصار سمح للعديد من الطلبة بمناقشة أعمالهم وإتمامها. من هنا طفى لنا صراع ألقى بظلاله على ميدان الحقل السوسيولوجي، حيث نرى أن كلا من أفراد الجيلين الأول والثاني، في عوض أن يبحثوا عن كيفية أرساء مدرسة في علم الاجتماع بالجزائر، ووضع الأسس لها والتنظير لذلك، بغية القفز بالحقل السوسيولوجي، انفكوا في حلقة من الصراع فيما بينهم، كل يحاول أن ينسب له الفضل الجليل في علم الاجتماع بالجزائر، فالجيل الأول يتغنون بأنهم المؤسسين الشرعيين وأصحاب السبق في الميدان، أما أفراد الجيل الثاني، فيتغنون بأنهم المصححين والمحدثين لعلم الاجتماع بالجزائرـ، وأنهم هم من وضعوه في مساره الصحيح، بحيث أنه من قبل كان بعيدا كل البعد عن مجاله الحقيقي. هذا وما نتجت عنه من صراعات ايديولوجية، في غياب أرضية سوسيولوجية موحدة للمفاهيم والأفكار، من أبرز إرهاصاتها، تعريب العلوم الاجتماعية وما نتج عنه من صراع أيديولوجي، فكل وبما ينظر إلى هذه النقطة.   المبحث الثاني: تعريب العلوم الاجتماعية. تمهيد: إن قضيت تعريب العلوم الاجتماعية بالجزائر من بين النقاط المحورية التي دار حولها الصراع بين أجيال علم الاجتماع بتباين ايديولوجياتهم ومشاربهم اللغوية بين من هو معرب ومن هو مفرنس أو حتى من تلقى تكوينه باللغة الإنجليزية. فبالعودة إلى كتاب علم الاجتماع في الجزائر من النشأة إلى يومنا هذا للدكتور جمال معتوق، نجد انه في هذه القضية قد تحدث في عرضه لها عن نموذجين، بين من هم معارض لتعريب العلوم الاجتماعية، وبين من هو مدعم للفكرة ومنفذ لها. النموذج الأول: يرجع الوضعية المتدهورة التي آبل اليها علم الاجتماع بالجزائر على انها نتيجة للتعريب، والذي في نظرهم فرض فرضا على علم الاجتماع، ليس من باب خدمته ولكن لأسباب إيديولوجية محضة، كما يشيرون الى اتن عملية التعريب تمت دون مراعاة المعايير العلمية لكل عملية يراد من وراءها احداث تغير إيجابي، ما جعل من مضمون علم الاجتماع يفقد الكثير من أهميته العلمية التي ضاعت بسبب ذلك، حيث أن العملية حدد لها أناس لا علاقة لهم باللغة العربية ولا بالإصلاح، بل همهم الوحيد هو خدمة مصالحهم وأطماعهم الشخصية، و الاستجابة للأيديولوجيا المهيمنة في تلك الفترة، و بالتالي نجد أن عملية التعريب جاءت حاملة لخلفيات سياسية إيديولوجية مقصودة لتحقيق مصلحة ، لا لأهداف علمية بناءة ومثمرة، وهذا ما لوحظ من خلال أن العملية انطلقت من شعارات جوفاء، حيث أن مهمة التعريب كلف بها أناس لا علاقة لهم بالغة العربية، بل كانوا أقرب إلى السلطة و إلى النظام في تلك الفترة، وعملوا على تمرير مشروع التعريب باللجوء الى التعسف و المضايقات بكل أنواعها، وذلك لتحقيق مآرب شخصية. النموذج الثاني: ينظر هذا النموذج الى ان عملية تعريب العلوم الاجتماعية تدخل فيما يسمى إستعادة مقومات الشخصية الوطنية الجزائرية، كما يرون أن مشكل اللغة مفتعل، حيث أن ربط العلم أو أي مشكلة بالغة أمر مغالط فيه ولا أساس له من الصواب، وبالتالي ففي نظرهم ان ربط علم الاجتماع بالتعريب وارجاع الحالة التي آل اليها ما هو إلا افتعال من قبل من هم من المفرنسين والذين يعملون على التهجم على اللغة العربية والتعريب وذلك لإخفاء ضعفهم، وحتى لا ينكشفوا ويبقو دائما المهيمنين على السوسيولوجيا و كأنها حكرا لهم وملكهم، وذلك أمام الأعداد الهائلة للطلبة الوافدين لعلم الاجتماع، وخاصة تخرج المعربين، فافتعلوا هذه المشكلة فورقة التعريب كما أشير في الكتاب، ورقة استعملت لخدمة أغراض أيديولوجية، فاتهام اللغة العربية بما هو عليه حال علم الاجتماع اليوم، هي مجرد دعاية لا أساس لها من الصحة، فالمشكل ليس في اللغة بل في الذين يستعملونها، وكيف يستعملونها، وفيما يستعملونها. مما عرضناه، نجد أن تعريب العلوم الاجتماعية لم يعطي حقيقة الإضافة فعليا لحقل علم الاجتماع في الجزائر، بغض النظر على أن قضية تعريب العلوم الاجتماعية تعتبر كمكسب للغة في حد ذاتها، بحث أنها لم تتعدى إطار الكر و الفر بين من هم منادين بالتعريب، إلا انهم لم يقوموا بالدور المناط لهم، بحيث أنهم تبنوا هذا فقط لتحقيق مآرب شخصية و لمزاحات المهيمنين على الساحة السوسيولوجية من المفرنسين، وللإستفادة من الإمتيازات التي منحت لعملية التعريب، كالإستفادة من منح تكوينية، والتي لك تستخدم من قبل الكثيرين في الغرض الذي وضعة له، حيث أشار الأستاذ في كتابه لهذه النقطة، بأن المنح قدمة عن طريق المحسوبية، واستغلت في غير موضعها و الذي هو البحث العلمي، بل أن العديد من المستفيدين من هذه المنح استفلوها في أمور ترفيهية، من مأكولات، ولباس، وسيارات، بحيث حوروها من منح دراسية تكوينية، إلى منح سياحية. كذلك، فعملية التعريب، وفي غياب وضعف الإنتاج العلمي المعرفي باللغة العربية، خاصة في العلوم الاجتماعية، تتطلب عملية ترجمة للمراجع والمصادر المعرفية والتي هي في أغلبها بلغات أجنبية، خاصة اللغة الفرنسية والإنجليزية، ومع إسناد هذه المهمة لأشخاص غير متمكنين قدر التمكن باللغة العربية، فلكم أن تتصوروا حجم القيمة العلمية التي ضاعت فقط في عملية ترجمة البحوث والكتب ومختلف الدراسات والمراجع للغة العربية. بالموازات مع هذا، مواصلة من هم ضد تعريب العلوم الاجتماعية لمقاطعة ذلك، فالبعض منهم إلى يومنا هذا لا يزال يدرس ويبحث في المجال السوسيولوجي باللغة الفرنسية، وبالتالي ازدادت الهوة والصراع بين الفئتين (المعربين، المفرنسين)، وهذا ما يشكل أكبر عائق يقف في وجه فكرة إرساء مدرسة جزائرية لعلم الاجتماع، حاملة لنظريات، وتصورات وفكر خاص بها. في ختام قراءتنا المتواضعة، فما ذكرناه لا يشكل سوى نسبة صغيرة من المعوقات الإبستيمولوجية التي تعرقل تطور وإرتقاء المجال السوسيولوجي بالجزائر، والتي إتسمت بهيمنة الجيل الأول لغاية وهي الحفاظ على مصالحهم الشخصية، بدون أن يراعوا الغاية الأهم ألا وهي الإنتاج الفكري والمعرفي وتحسيس المردودية العلمية والعملية للحقل السوسيولوجي، و الارتقاء بدرجة ومستوي التكوين، ة للأسف هذه السمة التي لانزال نلمسها إلى يومنا هذا في معاهد وكليات ومراكز بحث علم الاجتماع، وكما يطلق عليهم بعض الأساتذة الشباب مصطلح "الديناصورات". كما أن قضية تعريب العلوم الاجتماعية، لم تأخذ بمعناها العلمي ولم تستوف دورها كمكسب جم للغة العربية، وللحقل المعرفي، بل لم تتعدى صورة الصراع الإيديولوجي وطريقة لفرض سياسة، ربطة بمعني لها أبعاد سياسية كتحقيق السيادة الوطنية، والهوية العربية، أكثر من تحقيق غايات علمية وعملية. كذلك فإن تعريب العلوم الاجتماعية لم يحقق التقارب بين السوسيولوجيين، بل أنه زاد الهوة اتساعا ما يحول دون توحيد الأفكار والمناظير لخلق أرضية بحث سوسيولوجي خاصة بنا، تبتعد بنا عن التبعية الدائمة المدارس الغربية.